فيصل دراج: لا ضرورة لإيجاد نظرية نقدية عربية

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
06/04/2008 06:00 AM
GMT



د. فيصل دراج أحد فرسان النقد العربي على الساحة الثقافية العربية، وصاحب فكر مستنير يسابق كل جديد ويتفاعل مع كل جيد ومفيد. أصدر دراج أكثر من تسعة كتب نقدية منها: “ذاكرة المغلوبين، الواقع والمثال، الرواية وتأويل التاريخ، نظرية الرواية والرواية العربية”، وهو من مواليد فلسطين عام 1943 درس في جامعة دمشق ونال درجة الدكتوراه من جامعة تولوز الفرنسية عام 1974 وحول النقد وشجونه كان لنا معه هذا الحوار:

  برأيك لماذا فقدت الكتابة الأدبية روحها وفاعليتها؟

 هناك عاملان أساسيان الأول: أن القراءة الأدبية كما القراءة بشكل عام مرتبطة بحراك اجتماعي وبشر يتحاوران، ومرتبطة أيضا بوجود ما يدعى بالفضاء السياسي، ولذلك ازدهرت هذه القراءة الأدبية بشكل أساسي في الخمسينات والسيتينات من القرن الماضي، وبدأت بالانحسار بعد تراجع وانطفاء الأحزاب السياسية، أضف الى ذلك أن ما يدعى بالكتابة الأدبية مرتبط كلية بالحداثة الاجتماعية، فالمسرحية والرواية والقصة القصيرة هي أجناس أدبية حداثية، وبالتالي بعد ثلاثة عقود من التراجع المستمر للحداثة في المجتمع العربي أصبح بديهيا أن يتراجع كل ما هو مرتبط بالحداثة بما فيها الأدب طبعا، وبالشكل العام فان الفضول المعرفي الفاعل مع الأعمال الأدبية والحوار مع النصوص الأدبية والفنية بشكل عام لا يمكن أن يوجد بمعزل عن مجتمع حي متطور ومثقف.

يمكن أن أضيف سببا ثالثا وهو البعد الاقتصادي، ذلك أن الكتاب سلعة مثل بقية السلع الأخرى ولا يمكن للانسان أن يتمتع به الا اذا كان قادرا على تحقيق حاجاته الأساسية أولا ثم الذهاب الى أمور أخرى والفقر المدقع الذي تعيشه الغالبية الكبرى في المجتمع العربي يحول الكتاب الى نوع من الكماليات التي لا ضرورة لها.

 هل تعتقد أن النقد العربي قد استفاد من المناهج النقدية الغربية أم أنها أصبحت عبئا عليه؟

 هناك ثلاث نقاط الأولى: أن النقد الأدبي العربي الحديث بدا متأثرا جدا بالاتجاهات النقدية الأوروبية بدليل أن الفلسطيني “روحي الخالدي” حين وضع كتابه “علم الأدب بين هوجو والعرب” بدأ مباشرة بالافصاح عن ثقافته الفرنسية، ولاحقا ميخائيل نعيمة في كتابه “الغربال” كان متأثرا بالثقافتين الأمريكية والروسية، وأقام طه حسين منهجه على فلسفة ديكارت وصولا الى ماركسية لويس عوض ومحمد مندور وغيرهما.

النقطة الثانية تبرهن على أن التفاعل مع الثقافة الأوروبية كان خصيبا ومخصبا وقد تجلى في أمرين، الأول: يتمثل في الثقافة الأوروبية ولو بالمعنى النسبي، والثاني: يتمثل في الموروث الأدبي والعربي بشكل حقيقي، لذلك قام طه حسين بتطبيق منهجه على المتنبي، وطبق العقاد منهجه التحليل النفسي على ابن الرومي وغيره، ولعل هذا التفاعل بين ثقافة أوروبية ونصوص عربية هو الذي فرض على النقد أن يغير في بعض المبادئ التي تعلمها من الثقافة الأوروبية وأن يحاول أن يقدم رحابة تنطلق من النص العربي مستفيدا بأشكال مختلفة من ثقافته الأوروبية، بهذا المعنى كان تأثر النقد العربي بالثقافة الأوروبية ايجابيا، وأصبح هذا النقد عبئا، ابتداء من أوائل سبعينات القرن الماضي حيث تحول التعلم من الغرب الى محاكاة صماء تأخذ بقشور المناهج الأوروبية دون أن تنفذ الى العلوم الاجتماعية الأوروبية التي أنتجت مدارسها النقدية ودون أن يكون هؤلاء النقاد “المتأوربون” على معرفة حقيقية باللغة الشعرية والنصوص العربية.

طبعا كانت هناك تطبيقات ايجابية بارعة لنقاد مثل جابر عصفور وكمال أبو ديب، لكن كثيرين حولوا هذا النقد الى شكل من الكاريكاتير ومن الكلمات المعقدة الصعبة التي لا يدرك القارئ معناها وهؤلاء النقاد لم يكونوا يدركون معناها الحقيقي.

هل أصبحت الرواية شكلا كونيا قادرا على تجسيد أسئلة الحداثة ومعضلاتها في هذا العصر المطبوع بالعنف والخوف والقلق والاستلاب؟

 ولدت الرواية منذ البداية جنسا أدبيا كونيا لأنها جاءت من الغرب أولا، الذي حولته قوته الى مركز العالم، وولدت الرواية منذ البداية أيضا كجنس أدبي حديث لأنها انطلقت من مقولة الانسان من حيث هو انسان دون ربطه بدين أو معتقد أو فكر قومي ضيق.. الخ.

وواقع الأمر أن الرواية منذ البداية عبرت عن خلق الانسان الحديث لأنها رصدت علاقته الحادة مع الطبيعة وهو ما عبر عنه “هرمان ميلفيل” في روايته “موبي ديك” وصولا لرواية سارتر على القلق الوجودي ورواية جيمس جويس “أوليسيس” التي رصد فيها أزمة الانسان في المجتمع الحديث والرواية كما نعلم تتعامل مع مفهوم الانسان المغترب، أي ذاك الذي ينظر الى هدف لا يستطيع الوصول اليه، لذلك فالحيرة والقلق والشك من العناصر التي لازمت الرواية منذ صعودها في القرن الثامن عشر وحتى اليوم. وان كانت أسئلة الانسان اليوم أكثر حدة واقلاقا وسديمية من أسئلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

 هل من المنطقي المطالبة بضرروة وجود نظرية نقدية عربية؟

 لا ضرورة لايجاد نظرية نقدية عربية بالمعنى الضيق للكلمة ذلك أننا نفترض أن الرواية ليست جنسا أدبيا كونيا حديثا انما هي جنس كتابي تقليدي مرتبط بالمجتمعات التقليدية المغلقة.

ما هو ضروري يتمثل في اشتقاق معنى الرواية العربية من تاريخها الثقافي الخاص بها وما هو ضروري ربط تحولات الرواية العربية بالتحولات الاجتماعية العربية.. بهذا المعنى لا يمكن قراءة الرواية العربية بمعزل عن جملة العلاقات الاجتماعية العربية، هذا الربط يفضي بشكل أو بآخر الى نوع من خصوصية نظرية الرواية في الواقع العربي دون أن يفضي الى ذلك التعبير الغامض “نحو نظرية عربية في الرواية”.

أكثر من ذلك لو كانت  نظريا  الرواية جغرافية أو اقليمية لما استطاع النقاد العرب أن يستفيدوا من تجربة نظرية كبيرة مثل تلك التي قدمها “باختين، ولوكاتش، وجيرار” وصولا الى النقد الجديد في أمريكا.